هل يمكن أن تستخدم روسيا سلاحها النووي وأين؟
في عام 1533، أصبح إيفان البالغ من العمر 3 سنوات أميرا كبيرا لموسكو، بعد وفاة والده فاسيلي الثالث، بالطبع لم يتول إيفان الحكم مباشرة بل نابت عنه أمه لعدة سنوات قبل موتها ومن ثم مجموعة من النبلاء عرفوا باسم المجلس المختار حتى عام 1547، حين أصبح إيفان ذو الأربعة عشر عاما الذي عُرف بالرهيب أو المخيف أولَ قيصر في تاريخ روسيا، والذي اتسمت فترة حكمه بالحروب الطويلة.
هناك كتاب بعنوان “روسيا: قصة الحرب” لغريغوري كارليتون يبحث في الصورة الذاتية لروسيا، ويعود بالزمن إلى ثمانية قرون مضت، يتتبع فيها كارليتون نجاة روسيا من حروبها الملحمية ضد الغزو المغولي.
ومن هذه الملاحم، قيام هذا الرهيب عام 1552، بحصار وغزو عاصمة تابعة لدولة المغول وهي خانية قازان على نهر الفولغا، وبحسب الأسطورة فقد جرت الدماء والجثث في النهر لسبعة أيام متواصلة، ونجح الجيش الروسي بالسيطرة على المدينة، بعدها ودون قتال استولى على خانية أستراخان الواقعة عند مصب نهر الفولغا، ما جعل من نهر الفولغا نهرا روسيا، وهكذا تم تأمين الطريق التجاري نحو بحر قزوين.
وبحسب كارليتون، فإن قصة حصار قازان توضّح تبلور الاستراتيجية القائلة أن أفضل أسلوب لمواجهة التهديد الأجنبي هو الحرب.
أما في يومنا هذا وقرننا هذا، فإن ما يُعرف به الغرب دائما هو قدرته على التحايل على القوانين والأنظمة التي يضعها بنفسه ويريد فرضها على كل بقعة في العالم، وليس أدل على ذلك من حلول الذكرى العشرين قبل أيام لاحتلال العراق ونهبه وتدميره وتحويله إلى كرة من نار، رغم أن كل الوثائق التي تسربت والتي نشرت ولا تزال تنشر من الغرب نفسه تقول إن حجة احتلال العراق لتدمير أسلحة الدمار الشامل كانت محض كذبة.
قد ترمي سياسة الردع النووي الضبابية لموسكو التي تقول إن أهم سببين لاستخدام السلاح النووي هما الرد على استخدام سلاح نووي وغيره من أنواع أسلحة الدمار الشامل ضدها أو ضد حلفائها، والعدوان ضد روسيا باستخدام السلاح العادي في حال شكل تهديدا لوجود الدولة، قد ترمي إلى حمايتها من أساليب الغرب الكثيرة لاستهدافها، وقد تشكل عنصرا لسياسة الردع والتحذير من أي هجوم التوائي، فماذا لو علمت روسيا بهجوم قبل وقوعه أو تعرضت الصواريخ النووية الروسية أو القدرات النووية الروسية للتدمير بصواريخ وأسلحة غير نووية؟ هنا يكون التقدير لروسيا بشأن طبيعة الرد.
صحيح أنه ومنذ القصف الذري الأمريكي على هيروشيما وناجازاكي عام 1945 تكمن قوة السلاح النووي باعتباره سلاحا رادعا، وأنه منذ ذلك الحين والجميع يحبون أن يبقوا عليه وسيلة للتفاوض والضغط والتلويح بالقوة، لأن استخدامه يعني نتائج كارثية على العالم كله.
ولكن ومن متابعتي لما يحدث في أوكرانيا، فلا يبدو لي على الإطلاق أن سياسة حافة الهاوية التي تلوّح بها روسيا مزحةً على الإطلاق، وإن كانت الولايات المتحدة لا تستشعر حتى الآن خطورة الخطوط الحمراء الروسية، وأنه في حال استشعرت روسيا خطراً وجودياً مثل السيطرة على شبه جزيرة القرم، أو عدم انتصار روسيا في أوكرانيا أو حتى إضعاف روسيا، فلن تتردد موسكو بالتصعيد وربما بخوض معركة مباشرة مع الناتو وإن كلف ذلك استخدام الأسلحة النووية.
ولكن لي رأي مختلف هنا، وأعتقد أن روسيا قد تقلب الطاولة على الجميع في أي لحظة، لكن من الأراضي البولندية، فقبل أن تتشكل هوية الدولة الحديثة لأوكرانيا بخطأ زعيم الثورة البلشفية فلاديمير لينين الذي منحها الاستقلال الذاتي داخل الدولة السوفيتية، كما يؤكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فهناك تاريخ طويل لأوكرانيا مع بولندا، فمثلاً بين عامي 1349 و1430 احتلت بولندا وبعدها مملكة بولندا ودوقية ليتوانيا الكبرى، معظم المساحات الغربية والشمالية الحالية لأوكرانيا.
وفي عام 1596 أسست بولندا الكنيسة اليونانية الكاثوليكية بالاتفاق مع الإمبراطورية البيزنطية، لتسيطر هذه الكنيسة على معظم المساحات الغربية من أوكرانيا، وفي مطلع القرن السابع عشر، مدّت بولندا سيطرتها على معظم أوكرانيا الحالية، وأصبح سكان أوكرانيا بغالبيتهم إما يعيشون تحت نظام الإقطاع الزراعي القاسي، وإما جنوداً في الجيش البولندي، وكذلك حروب القرن العشرين وسيطرة بولندا على ثلث الأراضي الأوكرانية غربي البلاد، وصولا إلى قيام الدولة الأوكرانية المستقلة سياسيا وترابيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
وبالتالي يمكننا أن نفهم أن هذا السخاء الكبير والدعم العسكري الضخم الذي تقدمه اليوم بولندا لأوكرانيا ليس مجانيا وليس دفاعا عن استقلال الدول وسيادتها كما تدعي، بل هو مجرد أطماع قديمة متجددة بالأراضي الأوكرانية.
وأنا أعتقد أن روسيا تعي ما يجري، وأنها تفكر باحتمالات عديدة، وربما يكون واحد من خياراتها استدعاء قصة حصار قازان والاستراتيجية القائلة بأن أفضل أسلوب لمواجهة التهديد الأجنبي هو الحرب ليس فقط في أوكرانيا بل في بولندا أيضاً.
فربما يكون خيار استهداف بولندا بسلاح نووي تكتيكي خيارا مطروحا، فالسلاح التكتيكي يمكنه شل القدرات البولندية في مناطق محددة وغير واسعة، وبالتالي يمنعها من احتلال أي أراضي في أوكرانيا، ومن ناحية أخرى يتم تفادي انتشار الإشعاع النووي بشكل واسع أو وصوله إلى الأراضي الأوكرانية، كما أنه قد لا يتسبب بإشعال حرب عالمية ثالثة مع دول الناتو، لأن الناتو يعرف أن الحرب النووية مع روسيا ستكلف على الأقل عشرات ملايين القتلى.