في عمق الأزمات والمحن، ينبثق الأمل كفجر يكسر ظلام الليل. تجسدت قضايا الشرق الأوسط لعام 2023 بين أزمات سياسية وكوارث طبيعية، لكن في قلب هذه الفوضى، كانت هناك قصة صمود وعزيمة لا تلين، قصة غزة.
تحت وطأة الظروف القاسية والحصار، واجهت غزة تحديات جمة. لكنها بقيت شامخة كالجبال، تتحدى الصعاب بكل ما أوتيت من قوة وعزيمة. وهنا يحضرني بيت شعر ابي القاسم الشابي حين قال:
“إذا الشعب يوما أراد الحياة ** فلا بد أن يستجيب القدر”
في هذه البقعة من العالم، حيث الأمل ينبت من بين الأنقاض، يعيش أهل غزة حياة تمتزج فيها الآلام بالأمل، واليأس بالتحدي. تلك الأرض التي شهدت الخذلان من قبل العديد، من سلطة أوسلو التي غرست رأسها في الرمال إلى المجتمع الدولي الذي تسابق في إدانة حماس دون النظر إلى الصورة الأكبر.
على صعيد آخر، اجتاحت الكوارث الطبيعية أجزاءً من الشرق الأوسط بشكل لم يسبق له مثيل. زلازل في سوريا وتركيا، فيضانات في ليبيا، وهزات أرضية في المغرب، كلها تركت خلفها دماراً هائلاً وأرواحاً غالية فُقدت. في هذه اللحظات الحرجة، يتجلى الإنسانية في أسمى معانيها، حيث يتحد الناس في مواجهة الألم والخسارة.
في السودان، شهد العام اندلاع صراعات داخلية، تحولت مياه الأخوة إلى دماء العداوة. النزاعات السياسية والمصالح المتضاربة أدت إلى تفتيت النسيج الاجتماعي، وضياع الأحلام في مهب الريح.
لكن، في وسط هذه الأحداث المؤلمة، يبرز الصمود الأسطوري لأهل غزة كنبراس يُضيء في الظلام. هناك، حيث الدمار والقتل، يستمر الأمل والحياة. يقول الشاعر ابو البقاء الرندي:
“لكل شيء إذا ما تم نقصان ** فلا يغر بطيب العيش إنسان”
غزة، التي تحولت إلى رمز للمقاومة والصمود، تستمد قوتها من إرادة أهلها وتضحياتهم. تلك الأرض التي أصبحت كلمة السر للحرية والكرامة، تذكر العالم بأن الأمل لا يموت، وأن النضال من أجل الحق والعدالة لا يتوقف.
وفي خضم هذه التحديات، نتذكر دائماً أن الإنسانية في أعمق أزماتها تجد طريقها نحو النور والأمل. ففي كل قصة مأساوية، هناك بذرة أمل تنتظر أن تنمو وتزهر.
يُعتبر الخذلان العالمي لأهل غزة واحداً من أبرز ملامح الصراعات الدولية. بينما يكافح أهل غزة من أجل البقاء والكرامة، يبدو أن العالم يدير ظهره لهم، متجاهلاً معاناتهم ونضالهم. هذا الخذلان ليس فقط مؤلمًا بل يُظهر عمق الفجوة بين الأقوال والأفعال في المجتمع الدولي.
يتجسد هذا الإهمال في تردد المنظمات الدولية والدول الكبرى في اتخاذ مواقف حازمة تجاه الظلم الذي يعاني منه أهل غزة. النداءات المتكررة لوقف العنف والحصار تصطدم دوماً بحائط الواقع السياسي، حيث تتلاشى هذه الدعوات في زحام الأجندات السياسية والمصالح الاستراتيجية.
في هذا السياق، يُذكرنا بيت من الشعر الروسي للشاعر الكبير ألكسندر بوشكين بمرارة هذا الواقع:
“تحملت العذاب بصمت، ودموعي جفت في عيوني، وقلبي صار حجراً في صدري”
هذه الكلمات تصور الألم العميق والصبر الشجاع الذي يتحلى به أهل غزة وسط هذا الخذلان. يظلون شامخين كأشجار الزيتون التي تتحدى الرياح والعواصف، محتفظين بكبريائهم وأملهم في الحرية والعدالة، رغم الألم والمعاناة.
وفي ختام كل هذه الأحداث، تبقى غزة شاهدة على قوة الإنسان في مواجهة الظلم، وعلى أن الأمل لا يزال حياً، حتى في أشد الظروف قسوة.