الدكتور فراس الجحاوشة

لطالما أصيب الأردن بشظايا الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة، فرغم مواقفه الواضحة من الصراع وانحيازه الواضح للقضية الفلسطينية، إلا أنه وفي كل حرب يُتهم بالتقصير وخذل الفلسطينيين ومحاباة الكيان.

وهذه التهم يطلقها عادة نوعان من الناس، الأول هو العروبي المشحون بالحمية والغيرة على فلسطين ولكنه يعاني من نقص المعرفة، والثاني هو المغرض الجاحد الحاقد على هذه البلاد، وفي كلا الحالتين سأبيّن خطأ هذه الاتهامات.

أولا لم يأل الأردن جهدا ومنذ اللحظة الأولى بالسعي لحماية الإخوة في قطاع غزة وبما لديه من وسائل متاحة وضمن قدراته المحدودة، وكانت أولى مواقفه المشرفة برفضه القاطع إدانة هجوم حماس، والإصرار على أن هجوم حماس لم يكن ليحدث لو لم تقم إسرائيل على مدار 75 عاما بمحاولات إبادة الفلسطينيين وقتلهم والتنكيل بهم وتهجيرهم وحصارهم واعتقالهم والتضييق عليهم وحرمانهم من كل حقوقهم في الحياة والكرامة والاستقلال.

ومنذ أولى لحظات قيام الكيان بحملته البشعة على المدنيين والأطفال والنساء والشيوخ والشباب، حزم جلالة الملك حقيبة سفره وانطلق كأول زعيم عربي في جولة إلى أوروبا وخاصة إلى الدول المتعصبة بدفاعها عن إسرائيل والداعمة لها بشكل مطلق، حاملا معه الملف الفلسطيني، وموظفا وزنه السياسي ليؤكد لهم أن كل ما يجري ليس من مسؤولية أحد سوى إسرائيل، وأنه لا يمكن السماح لإسرائيل بتجاوز القانون الدولي والإنساني وإعطائها ضوءا أخضر لقتل الأبرياء.

ثم قطع جلالة الملك جولته في أوروبا عائدا إلى الأردن لأن الرئيس الأمريكي كان يعتزم زيارة الأردن وعقد قمة في عمّان، لكن وخلال تلك الساعات ارتكبت إسرائيل مجزرة مستشفى المعمداني، وارتأى الأردن بعد أن حمّل المسؤولية لإسرائيل مباشرة، إلغاء هذه القمة، احتراما للدم الفلسطيني والوجع الذي أصابنا جميعا.

ولا بُد من الإشارة إلى أن الأردن كان قد استبق زيارة بايدن المزمعة إلى عمّان، وأعلن موقفا لا رجعة عنه، بأن أي محاولات لتهجير الفلسطينيين من غزة أو الضفة المحتلة من أراضيهم، ستكون إعلان حرب، وهذا ومن وجهة نظري قد ضرب المخطط الصهيوني في مقتل، وأربك المخططات العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة.

وعلينا أن ننتبه إلى مواقف لم نرها في أي مكان آخر، فقد استثمرت جلالة الملكة وزنها وتأثيرها الممتاز على النخب الغربية، وظهرت على شاشة CNN التي تتبنى البروباغندا الإسرائيلية، وفندت روايتهم في عقر دارهم، وقد تحرك ولي العهد وأدان إسرائيل ونفاق المجتمع الدولي بشكل علني وجريء، وهذا ما بدأنا نرى آثاره في تراجع وتيرة اللهجة الغربية الداعمة لإسرائيل.

وقد رأينا جميعا كيف أن دولة محدودة القدرات مثل الأردن أخذت على عاتقها ومنذ اللحظة الأولى قيادة المحور العربي في مواجهة الحرب الإسرائيلية المسعورة.

وكيف انتزعت قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة يدعو فورا لإلغاء الأمر الإسرائيلي بتهجير الفلسطينيين من الشمال للجنوب، ويرفض أي محاولات من الكيان لتهجير الفلسطينيين قسرا من أراضيهم، وضرورة حماية السكان المدنيين في غزة، والتأكيد مجددا على ضرورة التوصل إلى حل عادل ودائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني وأنه لا يمكن تحقيق ذلك إلا بالوسائل السلمية، استنادا إلى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ووفقا للقانون الدولي، وعلى أساس حل الدولتين.

Comment

Phasellus ac consequat turpis, sit amet.Please Required fields mark *