وأنا أتأمل وسائل التواصل الاجتماعي، تذكرت الفنان السوري الرائع ياسر العظمة، الذي بذل ولا يزال يبذل جهدا عظيما وملهما للجماهير، فهو الذي اشتهر أيما شهرة بمسلسل مرايا، حيث أثرى هذا المسلسل الكوميدي بمضمون سياسي واجتماعي كبير، محاولا معالجة الكثير من مشاكلنا المستعصية.
في إحدى حلقات هذا المسلسل، يُقدم لنا شخصية بائع زيت يدعى أبو فارس، الذي أمضى سنوات طويلة جدا في بيع الناس زيتا يدّعي أنه أصلي وخالٍ من أي إضافات، و لكنه زيت مغشوش ومخلوط بزيت نباتي، لأن أبو فارس يبحث عن تحصيل المال والثروة والمنفعة الشخصية حتى لو على حساب الناس وصحتهم.
وهذا يشبه كثيرا ما نشاهده يوميا على مواقع التواصل الاجتماعي، فتكاد تعتقد أن جميع البشر سعداء وأنقياء ومؤمنين ويملأ الرفاه حياتهم، فالكثيرون يدّعون ما ليس فيهم، فتجد من يكتب تعليقا مسيئا ويطعن جزافا بالعرض والشرف، وتتفاجأ عندما تدخل إلى صفحته الشخصية بأنها تمتلئ بالأدعية الدينية والأذكار وكلام الشيوخ عن الإحسان والأخلاق وطمأنينة المتقين، وتحذيرهم من الكذب وعظم ذنب الإساءة والاستطالة في أعراض الناس.
وتجد من يكيل المديح والثناء لشخص ما، في حين أنه يحمل في نفسه عليه كل مشاعر السخط والكراهية، أو تجد مدعيا للمثالية يحاول تجريم شخصية عامة وانتقادها ووسمها بأبشع الصفات بسبب منشور أو تسريب ما، في حين أنه يمارس نفس الأفعال ولكن بعيدا عن وسائل التواصل الاجتماعي. والأمثلة كثيرة جدا…
لقد أصبح الزيف يملأ حياتنا الإلكترونية بشكل لا يصدق، وصار النفاق وجها أساسيا لهذه المنصات، سواء في المنشورات أو التعليقات أو مشاركة الصور والفيديوهات، وصرنا نحاكم الناس دون تحقق، وكأننا نسينا قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).
وبالعودة إلى شخصية أبو فارس، ولأنه كان محتالا ممتازا ويتقن دوره في المراوغة والمكر، ويحمل مسبحته ويلهج لسانه دوما بذكر الله والتوكل عليه، فقد اعتاد الناس الإقبال عليه بشراهة والحلفان بنزاهة هذا الرجل واعتقادهم أنه يبيع أفضل زيت على الإطلاق…
ثم تمر الأيام ويبدأ المرض يحل في عائلة أبو فارس، فيقرر التوبة والعودة لرشده وأن لا يغش الناس، ويبدأ ببيعهم زيتا صافيا أصليا بعيدا عن الاحتيال.
لكن العجيب المؤلم أن الناس يصابون بالهلع ويهرعون إلى أبو فارس ويتهمونه بالغش والاحتيال عليهم، رغم أنها كانت المرة الوحيدة التي لم يغشهم فيها… فيعود أبو فارس إلى ما كان عليه…
يشبه أبو فارس المتصنعيين على السوشال ميديا… أما زبائنه فيشبهون أولائك الذين يغذون النفاق بالتودد المصطنع والتصفيق والمحبة والدعم والإعجاب والتعليق المبالغ فيه..