كما نعرف فقد أثار مشروع قانون الجرائم الإلكترونية جدلا حادا في بلادنا وأعتقد أنه قد نوقش في الأوساط الإعلامية والعامة والخاصة بكل تفاصيله، وناله من النقد وكذلك الدفاع عنه، ما لا يدع مجالا للإضافة على ذلك.
وعندما تابعنا تلك النقاشات حول المشروع، لاحظنا وجود هوةً كبيرة بين الحكومة والمُشرّع والمنتقد، وهو ما أريد أنه أضعه تحت عنوان “النضج المنقوص” الذي تعاني منه جميع الأطراف، من نص مشروع القانون إلى أسبابه الموجبة وموعد طرحه وعرضه على النواب وآلية دراسته داخل اللجنة القانونية في المجلس وصولا إلى التصويت عليه في الجلسة العمومية.
كلها مراحل شابتها اعتباطات بشكل أو بآخر، وكانت في العديد من مراحلها محكومة من قبل المُشرع أو المعترض على التشريع، إما للمزاجية أو العشوائية أو المصالح الفردية أوعدم الفهم الأصيل للتشريع، مع استثناءات قليلة.
هذا الأمر دق ناقوس المسؤولية عندي، ودفعني إلى أن سلط الضوء على مشروع القانون من منظور مختلف، فلست بصدد الدفاع عنه أو نقده، فما حدث قد حدث، بل أريد أن ألفت الانتباه إلى مسألة أكثر أهمية برأيي، وهي مجلس النواب.
فهذا المجلس الذي يناط به مناقشة ودراسة القوانين التي تحيلها الحكومة أو التي تخرج من تحت قبته، لم يكن على قدر المسؤولية التشريعية بشأن هذا المشروع، وما دار فيه من تلك الجدالات المصطفة خلف المشروع والمهاجمة له، كانت في أحسن أحوالها مليئة بالمغالطات المنطقية والعواطف والأحاديث منزوعة الدسم القانوني والتشريعي، وهذا ما يجب أن نتنبه له.
لنفترض جدلا وكما يقول المعترضون أن الحكومة أرسلت هذا المشروع لحماية نفسها، لكننا نعلم أن الحكومة ليس بيدها شيء سوى الاقتراح، وأن القرار الأصيل بيد ممثلي الشعب، أي مجلس النواب.
وبما أنه المشروع قد مر من هناك ولم يعجب الكثيريين، فهذا يعني أن الخارطة التمثيلية داخل المجلس مشوهة، وأنها سوف تزداد اضطرابا في السنوات القادمة، عندما تشكل الأحزاب نسبة 65% منه، إلا لو تدخلنا نحن الشعب في هذا الخارطة وانتخبناها على أسس الكفاءة والفعالية.
بوجهة نظري، أن المسؤولية التي كنا نلقي بها على عاتق الدولة، بدأت تنتقل إلينا، وأننا على بُعد خطوات من تولي زمام المسؤولية بشكل كبير، فالرؤية السياسية والتحديثية تقول لنا وبشكل واضح، أن اختياراتنا لممثلينا في مجلس النواب، تشكل عاملا ثقيلا ومباشرا في رسم شكل حياتنا اليومية، وأن القرارات التي تحكمنا، هي نتاج ما تضع أيدينا في الصندوق.