د. فراس الجحاوشة

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} صدق الله العظيم.

في الآية الثانية عشرة التي وردت في سورة الحجرات ينهانا الله عز وجل، عن إساءة الظن، والتجسس، والاستغابة.

ومن ثم يشبه لنا كراهة تلك الأعمال برجل يأكل لحم أخيه الميت، وهو أمر لا يمكن تصديق بشاعته، وتأويل هذا عند المفسرين، أن الله يأمرنا باجتناب الإساءة للناس كما نكره ونجتنب أكل لحم الأموات.

كانت هذه الآية ومقصدها أول ما خطر لي، عندما وردني ما تداولته نفوسٌ مريضة لاعتداء على خصوصية زوجين تربصت بهما عيون وحشية مفترسة، تبيع نفسها وضمائرها للمال الملوث.

وإن محاولة البعض الإشارة إلى أن “المثالية” ضرورة يجب أن يتحلى بها الفرد المسؤول أو الشيخ أو المشهور…إلخ، فهو محاولة مكشوفة للطعن والإساءة، فالعصمة لله أولا وأخيرا، كما أن الطبيعة البشرية تمتاز بالمشتركات الكثيرة.

فالحبيب المصطفى، عليه الصلاة والسلام، والذي جمع الله له من بداية نشأته خير ما في جميع طبقات الناس من مميزات، وجنبه ما فيهم من الشر والعيوب، كان يعامل أزواجه، رضي الله عنهن، بما يضفي معالم الرحمة والإنسانية والشراكة والألفة معهن، بل ولم يمنع ذلك من وقوع بعض المشكلات العابرة بين أزواجه، وهي مشكلات تؤكد بشرية النبي، والتي تنطلق من واقعية الدين الإسلامي، وتعامله مع النفس البشرية، وما تحمله من صفات خلقية تزيد وتنقص.

لا أخفيكم، أنني ابتداءً شعرت بالرعب، فلقد أرعبني أننا نعيش اليوم في عالم، انحطت عند فئة من قاطنيه، القيم والأخلاق والمبادئ، إلى درجة أوصلتهم إلى ارتكاب جرم التجسس واختراق خصوصية الناس!

ألست أنا إنسانا؟ ألا عائلة لدي؟ ألا أقارب لدي؟ وهكذا كل من يقرأ ولا يقرأ هذه الكلمات، كلنا بشر وكلنا لدينا حيواتنا الخاصة بنا، التي نرفض قطعا وتماما أن يخترقها أي متطفل من قريب أو بعيد.

تخيلت أن ما حدث يمكن أن يصيب أي أحد، وفي أي مكان، حتى داخل بيته، أو في نُزل ذهب إليه رفقة عائلته، أو في محلات بيع الملابس، أو في الأندية، وغير ذلك مما يعد ولا يحصى.

لكنني ما لبثت حتى شعرت بالآمان، وشعرت بالهدوء، وعادت الثقة إلي من جديد، عندما رأيت موقف الشعب الأردني الشريف، الذي ساءه ما وقع، ولفظَ كل خبيث وخبيثة تداولوا اعتداءً صريحا على العائلة الأردنية.

بل ولاحظنا كيف تجهم هذا الشعب، ورفض حتى الحديث في الأمر، فمن منا يقبل أن يخوض أحدٌ بخصوصياته التي تلصص عليها أناس وضيعون، تحركوا في الخفاء، وسرقوا لحظات عفوية يعيشها وعاشها كل الأزواج على هذه الأرض؟

لقد أثبت هذا الشعب مجددا أنه مجبول بالأخلاق ومفعم بالأصالة، فقد عمد إلى إماتة الباطل بالسكوت عنه، وتجاهل وسائل إعلامية انحطت سياساتها “الفضلى” إلى فعل ما تفعله الصحف الصفراء سيئة الذكر عديمة الموثوقية، بحثا عن المشاهدات أو خدمة لأهداف معينة.

إن الحياة الخاصة قبل أن تكون محمية بالقوانين والأنظمة، فالأصل أن يتعرض المعتدي عليها، للمساءلة المجتمعية والقيمية والأخلاقية والدينية، لكن من فقد مبادئه وباع أخلاقه ولم يعرف يوما معنى الشرف، لن تردعه القوانين الحديثة، عن فعلته، أو عن التداول والتشهير والإساءة، فهذه فئات ضالة، باعت كل شيء عندها، بثمن بخس، وشاهت وجوهها في الدنيا عندما عرّتهم أفعالهم القبيحة، وويل لهم يوم يقفون بين يدي الله، يوم يجزون عما فعلوا كل الجزاء.

Comment

Phasellus ac consequat turpis, sit amet.Please Required fields mark *