إضاءات على التصورات الروسية
ربما واحد ممن يساعدنا في فهم العقل الروسي ونظرته للعالم هو المفكر والفيلسوف الروسي ألكساندر دوغين الذي يعتبر أن الرأسمالية التي دخلت روسيا عقب انهيار الاتحاد السوفيتي كانت أكثر سوءا من الشيوعية.
يقول دوغين إن النظام الروسي الحالي بقيادة فلاديمير بوتين يقوم على تعزيز القيم التقليدية والمجتمع المحافظ في روسيا، وأن هذا المجتمع الذي يتمتع بصفاته الخاصة ليس عليه أن يكون تابعاً للغرب الذي يحاول إسقاط أفكاره الليبرالية والديمقراطية على كل شعوب العالم دون تمييز، لكنه يقول إن واحدة من أكبر التحديات أمام روسيا هو وجود نخب ليبرالية مؤثرة داخلها، وتسعى لفرض النزعة الغربية التي تعرقل خلق تاريخ وهوية خاصة بروسيا.
على المستوى الديني فإن روسيا دولة مسيحية أرثوذكسية، لكنها تقول في الوقت ذاته مثلا أن الإسلام جزء لا يتجزأ من تاريخها وأنها لا يمكن أن تسمح بضرب الصداقة بين قومياتها وأن هناك قدسية للأديان لا يمكن المساس بها حتى وإن اختلفت، بمعنى آخر فإن روسيا اليوم تحاول أن تكون دولة قومية وطنية تدافع وتعلي من قيمها المحافظة، خاصة أن روسيا عانت على مدار القرن الماضي من تشظي هويتها ومن تحولات اجتماعية وثقافية ودينية حادة بين الأنظمة العديدة التي حكمتها.
ورغم أن روسيا قوة عظمى جغرافيا ونووياً، إلا أنها تشعر أن أمنها مهدد على أكثر من صعيد، وترى أنه من حقها حماية مصالحها، كما يفعل الغرب لحماية مصالحه، وقد اشتكت موسكو مرارا من تجاهل النظام العالمي لمخاوفها الأمنية ومواصلة الناتو التمدد من حولها، فمثلا هي ليست محمية جغرافيا أو طبيعيا لأنها تمتلك الاف الكيلومترات من السهول المفتوحة غربا، وشكل لها ذلك عقدة تاريخية تمثلت بتعرضها للغزو أكثر من مرة، لكنها تبدواليوم عازمة بشكل جدي على تثبيت مصالحها بالدبلوماسية أو بقوة السلاح.